د. أحمد عبدالكريم الأسطل
عشرون عاما من العمل للحفاظ على الهوية الثقافية الفلسطينية
يمثل التراث الثقافي جزءاً من التراث الحضاري لأي أمة، كما أنه يعتبر جسرًا من الماضي نعبر به من الحاضر إلى المستقبل. هذا ويعتبر التراث في الحضارة بمثابة الجذور في الشجرة، الجذور التاريخية التي تؤصل عراقة الأمم، فكلما غاصت وتفرعت الجذور كانت الشجرة أقوى وأثبت وأقدر على مواجهة تقلبات الزمان، ويتنوع التراث باختلاف ما تحمله الجذور إلى الشجرة. ولا حضارة بدون تراث، لذا يجب أن تكون الحضارة أصيلة لا تبعية عندها، مستقلة تملك جذورها العميقة في جوف الأرض. ولهذا لابد من حمايتها والحفاظ عليها بشكل أمثل للأجيال القادمة. لان الحفاظ على هذا التراث هو حفاظ على الجذور والأصول التي تغذي الحاضر، فأي حضارة لا تعتبر عريقة ذات جذور تاريخية إلا بمقدار ما تحمله من شواهد على رقيها الإنساني، ولا شك أن هذا التراث هو خير شاهد على حضارات وأمم سابقة شاء الله تعالى لكل منها قدرا من الحياة وفنيت الأمم؛ لتبقى آثارها تدلل عليها، وتبقى دروسا وعبرا للأحياء على مر الزمان.
يعتبر التراث الثقافي هاماً ذو قيمة عظيمة في المجتمعات العريقة، فإن قيمته بلا شك أكثر أهمية وقيمة في فلسطين بشكل خاص، حيث يتعرض تراثنا لمحاولات متعددة من الطمس والهدم والسرقة من الاحتلال. ولهذا يتوجب علينا حماية التراث لأسباب ثقافية وسياسية واجتماعية وتاريخية، وينبغي التعاون والتضافر للحفاظ عليه. ومن هذا المنطلق قررت كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية عام 2000 تأسيس مركز إيوان للتراث الثقافي ومنذ اللحظة الأولى أدركت إدارة المركز مدى أهمية الحفاظ على الهوية والذاكرة الفلسطينية، فقام مركز إيوان بمشاريع توثيق المباني التاريخية وتحديد المواقع الأثرية في قطاع غزة، معتمداً على توحيد الجهود وتسخير طاقات ومهارات طلبة كلية الهندسة والمهندسين المعماريين وعلماء الآثار والمؤرخين، وشرع في تسجيل وتوثيق المباني التاريخية، وكل ما يتعلق بالتراث الثقافي الفلسطيني بقطاع غزة.
ويعتبر مركز “إيوان للتراث الثقافي” من المراكز المهمة في قطاع غزة التي تعتنى بالحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الهوية الثقافية الفلسطينية من خلال المحاور التالية:
1. الترميم والحفاظ على التراث الثقافي وإعادة تأهيله بما يناسب قيمته الحضارية وقد قام المركز بالعديد من النشاطات في هذا المجال.
2. تدريب وتأهيل الكوادر البشرية، حيث عقد المركز عددا من الدورات التدريبية في مجال الحفاظ على التراث.
3. التوعية المجتمعية بقيمة التراث الثقافي وأهمية الحفاظ عليه، وذلك من خلال جولات ميدانية، وتنظيم حملات شبابية، وتنظيم محاضرات تثقيفية ومعارض وأيام دراسية ومسابقات.
هذا العام مركز إيوان للتراث الثقافي يحتفل بمرور عشرون عاماً على تأسيس من العمل الجاد والالتزام الدائم بالحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي، وتعزيز الهوية الثقافية الفلسطينية في قطاع غزة.
إن إيوان يؤمن ايمانا راسخاً بأن التراث الثقافي هو أداة اقتصادية مهمة، ومن هذا المنطلق يسعى إلى تحويل مفهوم التراث الثقافي كمسؤولية اقتصادية واجتماعية وبيئية إلى أداة قيمة للتغيير الاقتصادي والاجتماعي.
يؤمن مركز إيوان للتراث الثقافي ايماناً واضحاً أن تعزيز العلاقة مع مكونات المجتمع والجهات ذات الصلة جزءاً لا يتجزأ من مسيرة العطاء وأحد ركائز الإنجازات خلال عشرون عاماً. وإن العمل مع ومن أجل المجتمع ساعد إيوان على إقامة شراكات دائمة مع مجموعة متنوعة من المؤسسات والأفراد. حيث ان إيوان يؤمن بالمشاركة المجتمعية، التي هي القاسم المشترك في مراحل إيوان المختلفة من النمو والتطور. ومن هذا المنطلق عقد مركز إيوان عددا من الاتفاقيات والشراكات المحلية والخارجية لتعزيز العمل المشترك لتحقيق أهدافه. واخيراً إن أمةً لا تحترم ماضيها، أمةٌ لا تقوى على حماية حاضرها، ولن تصنع يوماً مستقبلا يزهو بها.